الجزائر-اعتبر المجاهد محمد غفير المدعو "موح كليشي"
المجازر التي ارتكبتها الشرطة الفرنسية في حق الجزائريين خلال المظاهرات
السلمية التي نظمت في باريس يوم 17 أكتوبر1961 "دليل قاطع على قوة و
شمولية الثورة التحريرية التي تمكنت من زرع الرعب في قلب العدو داعيا في
نفس الوقت الشباب إلى تحمل مسؤوليتهم لمواصلة ثورة التشييد والبناء.
واعتبر المجاهد غفير في حديث لواج أن
أحداث 17 أكتوبر 1961 معركة سياسية حاسمة و مفصلية في تاريخ حرب التحرير
وهي لا تقل أهمية عن اندلاع الثورة ليلة 31 أكتوبر إلى 1 نوفمبر مشيرا إلى
أن هذه الأحداث تعد حلقة ضمن سلسلة من البطولات التي سجلتها الجالية
الجزائرية بفرنسا منذ 1954.
وفي هذا الصدد أوضح السيد غفير أن جبهة التحرير الوطني قررت فتح جبهة
ثانية للثورة يوم 25 أوت1958 على الساعة منتصف الليل من خلال تفجير عمليات
تخريب على مستوى كامل التراب الفرنسي مست بشكل مباشر المناطق العسكرية .
وأمام تصاعد هذه الأحداث التي أضحت تشكل قلق كبير للمسؤولين الفرنسيين
وعلى رأسهم الجنرال ديغول العائد إلى السلطة بفرنسا مع الجمهورية الخامسة
لم يجد حل سوى تشديد الخناق على الثورة في فرنسا فستنجد بالسفاح موريس
بابون وكلفه بتسيير شرطة باريس لما له من خبرة في عمليات القمع.
وبالموازاة مع تنصيب موريس بابون تم إرسال أكثر من خمسمائة حركي من
الجزائر إلى فرنسا—حسب محمد غفير— وكلفوا بمهمة اختراق الفدائيين
الجزائريين واغتيالهم للقضاء على التنظيم العسكري للجبهة وبالفعل تم إلقاء
القبض على عدد كبير منهم القي بهم بنهر السين وماتوا غرقا وأعدم آخرون
شنقا بغابة بولوني.
وبهدف تضيق الخناق على الثوار الجزائريين قررت الحكومة الفرنسية في
5أكتوبر 1961 إرساء حضر للتجوال موجه للجالية الجزائرية ابتداء من الساعة
الثامنة ليلا إلى غاية الخامسة و النصف صباحا وفي يوم 6 أكتوبر نشر موريس
بابون أكثر من سبعة آلاف شرطي و 1500 دركي لرصد تحركات الفدائيين وإحباط أي
عملية عسكرية وشل نشاط الوطنين الجزائريين الذين كانوا يتحركون ليلا و
يلتقون بعد الساعة السادسة مساء في المقاهي لدفع الاشتراكات و تدارس الوضع
في الجزائر وأضاف أن بابون نفسه"كان يشجع رجاله على اللجوء للعمليات القذرة
قائلا إنه يوفر لهم الغطاء الضروري".
وأمام هذه الوضعية تم تنظيم اجتماع عاجل لمنسقي فيداراية جبهة التحرير
بفرنسا يوم 7 أكتوبر حيث تم إعداد تقارير حول هذا الوضع وتم إرسالها لقيادة
الفيدرالية التي كانت متواجدة بألمانيا .
وفي 10 أكتوبر تلق منسقو الفيدرالية بفرنسا ردا عن هذه التقارير التي
اقترحت تنظيم مسيرة سلمية في 14 أكتوبر المصادف ليوم السبت وهو يوم عطلة
نهاية الأسبوع حتى يكون للمسيرة صدى و هو الأمر الذي لم تتمكن الفيدرالية
من تجسيده نظرا لصعوبة الاتصال بالجالية ولهذا أجلت المسيرة إلى غاية 17
أكتوبر.
مظاهرة سلمية... تتحول إلى مجزرة
أعطى منسقو فيدرالية جبهة التحرير بفرنسا تعليمات للمهاجرين تطلب منهم
الاستجابة لنداء الثورة والخروج نساء ورجال وأطفال في يوم 17 أكتوبر 1961
على الساعة الثامنة ليلا لخرق حضر التجول والانطلاق من الضواحي إلى قلب
باريس في مسيرات سلمية وفي هذا الشأن قال موح كليشي أن هذه المظاهرات كانت
كبيرة في حقيقة الأمر حيث شارك أكثر80 ألف جزائري لكنها قبل كل شيء سلمية
فقد كانت إحدى التعليمات الرئيسية التي وجهها لنا قادة المناطق لفدرالية
جبهة التحرير الوطني حيث طلب من المتظاهرين أن يكونوا في هندام مناسب
ويتحلوا بسلوك حسن و يتجنبوا أي عمل من شانه أن يعتبر استفزازي وأن لا
يحملوا أي سلاح حتى ولو كان إبرة.
فاستجابت الجالية الجزائرية وخرجت بالآلف إلى شوارع الرئيسة للعاصمة
باريس على غرار شوارع شانزي ليزي وأوبرا حاملين شعارات تدعو إلى مواصلة
المفاوضات مع الحكومة المؤقتة لاسترجاع سيادة الوطنية.
تصدت شرطة بابون بوحشية ضد المتظاهرون الذين لم يظهروا أية مقاومة
بالضرب و العصا حيث تعرضوا للضرب العشوائي من طرف شرطة هائجة أطلقت النار
عليهم ورمت بمئات الجثث في مياه نهر السين الباردة.
خلف هذا القمع الوحشي استشهاد ما بين 300 و450 شهيد رميا بالرصاص أو ضربا بالعصا أو رميا في نهر السين.
فاطمة بدار ... قوة التحدي لدى المرأة الجزائرية ضد المستعمر في عقر داره .
لم يقتصر دوره المرأة الجزائرية في الكفاح داخل الجزائر بل خارجها أيضا
حيث كانت المرأة الجزائرية تجاهد و تضحي و تقود المظاهرات و لنا في هذا
المثل الشهيدة الشابة "فاطمة بدار" التي فضل المجاهد محمد غفير أن يستشهد
بها لإيضاح دور المرأة في هذه المظاهرة السلمية.
ففي ال 17 أكتوبر 1962 دار نقاش حاد بين فطيمة و أمها بالمنزل العائلي
الكائن بسين سان دونيس بالضاحية الباريسية حيث حاولت الأم منع ابنتها من
المشاركة في المظاهرات لكن دون جدوى وقررت الإستجابة لدعوة الفيدرالية .
وخرجت الشابة فاطمة في ذلك اليوم ولم تعد إلى أسرتها الأمر الذي دفع
أبوها إلى إخبار الشرطة عن اختفاء ابنته وبعد مرور 14 يوم تم اكتشاف جثتها و
هي في حالة متقدمة من التعفن على مستوى قناة سان دونيس.
و قد ولدت فطيمة بدار شهر أوت 1956 بتيشي وسط عائلة متواضعة الحال و
كانت الابنة البكر لستة أطفال و انتقلت إلى فرنسا رفقة عائلتها و عمرها لم
يتجاوز بعد الخامسة و قد أعيد جثمانها إلى أرض الوطن عام 2006 .
الاعتراف بالجريمة ...أقل ما يقدم
اعتبر محمد غفير الاعتراف الرسمي لفرنسا بجريمتها التي ارتكبتها في هذه
المظاهرة المصنفة ضمن جرائم حرب أقل ما يمكن أن يقدم للجزائر خاصة وأنها
تعد حلقة ضمن سلسلة جرائم حرب التي قامت بها فرنسا طيلة 130 سنة ضد
الجزائريين قائلا" مجازر 17 أكتوبر 1961 نقطة سوداء في تاريخ دولة طالما
دعت إلى احترام حقوق الإنسان ولا يمكن أن يتجاوزها التاريخ".
ودعا المجاهد غفير في ختام لقاءه الشباب إلى الاهتمام بالتاريخ والتحلي
أكثر بالروح الوطنية انطلاقا من أن دراسة التاريخ تعد نبراسا للمستقبل وذلك
من أجل مواصلة ثورة التشييد و البناء للرقي لجعل الجزائر في مصاف الدول
المتقدمة.
عن البوابة الرسمية لخمسينية استقلال الجزائر